سجن محبوب
الحمد لله، وبعد:
اعتدت في كل عام أن آخذ قسطا من الراحة أبتعد فيه عن برامج التواصل لفترة من الزمن؛ لأنني أشعر أن هذه الأجهزة والبرامج تحولت لإدمان، فبدلاً من كونها ملكاً نستخدمه نحن فيما يفيد تحولت لأدوات تملكنا وتأسرنا في عالمها الافتراضي المليء بالمتعة واللذة والسرعة.
وفي كل مرة أنقطع عن ذاك العالم أحدد الأعمال التي سأنجزها خلاله مما تأخرت فيه، أو أريد تعلمه، حتى وإن كان الهدف هو الراحة لفترة بسيطة، وفي كل مرة أشعر- أثناء خلوتي الإلكترونية- بقدر السكينة والراحة الهدوء ما يجعلني أفكر بجدية في عدم العودة لها مرة أخرى، ومما زاد قناعتي أكثر في أنها استهلكتنا وأغرقتها في بحرها المتلاطم وأصبح أغلب الناس سجينها المدان مما يستوجب وضع حد فاصل يقف فيه المرء وقفة حازمة مع نفسه فبعض الناس يجلس عليها قرابة ٨ و ٩ ساعات وهذه الساعات محسوبة من عمره تذهب ولن تعود وسنسأل عن هذا العمر فيما قضيناه.
أقول مما زاد قناعتي بالتخف -على الأقل- إن لم يكن الانقطاع قراءتي لكتاب الماجريات للأستاذ إبراهيم السكران وهو كتاب يستحق المطالعة من عموم القراء وطلبة العلم بوجه أخص، ثم قبل أشهر اطلعت على كتاب كتبه اختصاصي الحواسيب الأستاذ في جامعة كولومبيا Jaron Lanier بعنوان (عشرة أسباب لإلغاء حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي فوراً) Ten Arguments for Deleting Your Social Media Accounts Right Now وهو كتاب يشرح الطريقة التي تدهورت بها وسائل التواصل الاجتماعي فبدلاً من كونها أدوات مفيدة وممتعة وغير ضارة للتفاعل بين أناس متباعدين جغرافياً تحولت إلى وسائل للاستغلال، وقد تم تصميمها بطريقة خطرة تهدد بتمزيق نسيج المجتمع المتناغم إلى أشلاء، وتقوم بالتلاعب بكل ماتريد حتى بمشاعر الناس، وليس هذا من قبيل الخيال والمجاز حيث ينقل لانييه خبرًا عن بعض باحثي شركة فيسبوك الذين شعروا بالحماس عند نجاح تجربتهم في تصميم لوغاريتمات تؤثر على الحالة المزاجية للمستخدم عبر التحكم في المحتوى الذي يظهر له بحيث يكون مُحزنًا أو مُبهجًا عن عمد،. شدني هذا الكتاب لمتابعة طرح الكاتب على اليوتيوب بعد ذلك حتى وقعت على فيلم وثائقي شارك فيه صاحبنا Jaron Lanier جارون لانييه وعنوانه ( المعضلة الاجتماعية) the social dilemma وقد شارك فيه أناس يحدثونك من داخل مطبخ هذه البرامج فهم إما مؤسسون لها أو مطورون لها أو نحو ذلك .
حينها علمت أن الناس يجهلون خطورتها أو يتجاهلونها كي لا يخسر أحدهم لذته ومتعته حتى لو فقد بوصلة حياته، وهويته. عموماً اتخذت قرار حذف جميع برامج التواصل سوى الواتس؛ لأجل أمي، وانشغلت في تعلم العديد من البرامج النافعة، والتي أفادتني في تنظيم حياتي ومقروءاتي كبرنامج Notion الذي يمكن تسميته بالسكرتير الشخصي وهو يحتاج لجهد لكنه يستحق، و Readwise الذي يساعد في مراجعة الفوائد التي مرت لك أثناء قراءة الكتب يحث يعرض عددًا منها يصل ل ١٥ فائدة بشكل دوري يوميًا مما يساهم في استحضار ماقرأت بشكل قوي عند الاستمرار. ثم انشغلت بتطوير مدونتي هذه والتي أنشأتها منذ سنتين ثم أهملتها والآن قررت العودة لأجل تطويرها مما جعلني أظطر لتعلم الكثير من البرامج في وقت يسير -بفضل الله- والتي لو أردت تعلمها أثناء انكبابي على برامج التواصل لأخذت فترة طويلة دون ذلك، وكنت حريصا على عدم طلب المساعدة من أحد عند تأسيسها كي أنجزها وأطورها وأتعلم استخدام القوالب، وحجز الدومين والبحث عن استضافة الموقع….الخ مما تحتاجه في عمل المدونات والمواقع.
أقول هذا لأنصح نفسي وأنصحكم نصيحة محب: اجعلوا هذه البرامج والأجهزة خادمة لكم واستغلوها الاستخدام الصحيح كي لا تتحول من كونها للتواصل إلى إدمان وضياع للأعمار فالحياة قصير والأعمار أقصر، وأنت عندك من المهام الدينية والأسرية والاجتماعية والوظيفية والحياتية ماهو أهم .
يقول محمد أمين العمر:
هل هاتفٌ بيدي أم خِــنـْــجـَـــــرٌ شُـــرِعا***لِقَطع ذي رَحِــــمٍ أو وصلِ من قَطَعـــا
أم لُــعْـــبَــــةٌ سَـرقَــتْ منـا أَحِــبَــــتَــنــا***فيهـــا المبــاحُ ومــــا ألهى ومــا مُنِــــعــا
أم عــــــارِضٌ بِــعَـــميم الخيــــرِ مُــمـْـطِــرُنــــا***أم فاسدٌ مُــفْــسِـدٌ ما الدينُ قد شَـــرَعــا
أم ساحــــــــــرٌ تَــخْــطُفُ الالبابَ خِـــفَّـتَـــهُ***أم هدهدُ العرشِ من بلقيسَ قد سَمعــا
أم أَهـــــلُ مَــــدْيـَن أغْـــــــــرَتنا بضاعَــتُهـــم***فأفســـدوا والميزانَ والسِـــلَعــــا
From Blogger iPhone client
تعليقات
إرسال تعليق