بوح من الذكريات 1
' كنت طفلاً لم يتجاوز الرابعة من عمره عندما فقدت والدي -رحمه الله- فقد توفي في حادث سير وهو ذاهب إلى المشاركة في حرب الخليج، فعشت تحت كنف جدي الصالح علي بن محمد المشهور بابن فوفه وجدتي رحمه أمي الثانية، وقد كان جدي مؤذنًا وأحسن تربيتي فوالله مذ وعيت لا أذكر أنه نهرني أو ضربني، وإنما كان قدوة بأفعاله قبل قوله ونصحه، وقد كان والده فارسًا يهابه الناس كما أخبرني كبار السن -رحمهم الله جميعا- .
مرت سنين بالوصال وبالهنا .. فكأنها من سعدها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها .. فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها .. فكأننا وكأنهم أحلام
و كانت امي وجنتي -حفظها الله- نعم الأم صبرت على تربيتي وإخواني ولا زالت، واهتمت بحفظي للقرآن، وتفوقي في الدراسة رغم أميتها، ولا زالت حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها تكلمني وكأني لازلت طفلاً رغم أني أب لأربعة أطفال وجاوزت الخامسة والثلاثين من عمري، وهكذا هي الأم مهما كبر ابنها فهو في عينها طفلٌ.
ورغم ضروف الأسرة المعيشية البسيطة إلا انها كانت حريصة على ان أكمل دراستي الجامعية، وأحمد الله أني استطعت تحقيق جزء بسيط من أمانيها، وعشت مع والدتي وزوجها العم محمد -حفظه الله وشفاه- ذاك الرجل الطيب النقي الذي والله لم أر منه إلا كل خير بل لم يكن يفرق بيني وبين إخواني من أمي وكان يعاملنا نفس المعاملة بل يقدمنا عليهم ، و من المواقف التي لم ولن أنسها منه ما حييت أنه لا ينزل على مائدة الطعام حتى يأكل كل من في البيت فإن بقي شيء اكل وإلا صبر.
وكذلك عشت عند خالتي وامي الثالثة -حفظها الله- المرأة الصالحة العابدة، وزوجها الخال زهير -رحمه الله- الرجل الطيب النقي الذي رباني مع أبنائه وكأني واحد منهم، ثم أكرمني بتزويجي بابنته وأنا لا زلت طالبًا في الجامعة ورضي بي على حالي بل ودافع عني عندهم، فأخذت العهد على نفسي أن أكون عند حسن ظنه بي، وأرجوا الله أن أكون قد وفيت ولو جزءًا يسيرًا من أفضاله علي.
أما أم أطفالي وزوجتي ورفيقة دربي في هذه الحياة المرأة الصالحة العاقلة فلو كتبت أسفارًا في ذكر أفضالها فلن أفيها حقها، كيف لا؟ وهي التي تزوجتني طالبًا، وصبرت عليّ، ووقفت بجانبي برأيها ومالها، وأعانتني على سداد كثير من التزاماتي، ثم صبرت على بعدي ووحدتها رغم انشغالها بالتعليم فهي معلمة ، ولكنها تحملت مشقة بعدي عنها ومشاق تربية أطفالي ولا زالت، وأحسنت تربيتهم حتى بحمد الله أصبح بعض الناس يضرب بهم المثل وينسبون الفضل في ذلك لوالدهم، والفضل والله لله أولاً، ثم لأمهم جزاها الله عني وعنهم خير الجزاء.
تعليقات
إرسال تعليق